أنزلت قريش بأتباع النبيّ عليه الصلاة والسلام أشدَّ الأذى، وهذا هو شأن الأقوام مع أنبيائهم، فلم يأتِ رسول بأمر التوحيد لله تعالى ونبذ الكفر والشرك إلاّ وانبرى له أعداء الله من الإنس وشياطينهم يصدّونَ عن دينه وينكرونَ صدقه، ويؤذونه ومن يتبعه من المؤمنين، وقد عذّبَ المشركون من أهل مكّة الثلّةَ المؤمنة من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ التعذيب، حتّى ضاقت عليهم الأرض بما رحبَت وضاقت عليهم أنفسهم فكانَ أن أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى الحبشة، فقالَ لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنَّ بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهيَ أرض صدق حتّى يجعلَ الله لكم فرجاً ممّا أنتم فيه) وملك الحبشة هوَ الملقّب بالنجاشيّ.
سبب اختيار الحبشة أرضاً للهجرةكما بيّنا سابقاً فإنّ الحبشة أرض طيّبة وأرض صدق، وهي فوق ذلكَ كلّه يحكمها رجل عادل وهوَ النجاشيّ، وتدين الحبشة بالنصرانيّة، وهي قريبة للإسلام من الوثنيّة الجاهليّة التي يعيش فيها أهل مكّة، فالنجاشيّ قد كانَ من علماء أهل الكتاب، وعنده علم بخروج نبيّ في آخر الزمان وهذا مدعاة لأن ينصرَ أتباع هذا الدين وقد فعل، والوارد في السيرة أنّ النجاشيّ قد أسلمَ وحسن إسلامه رحمه الله.
أوّل من هاجرَ إلى الحبشة من المسلمينهاجرَ إلى الحبشة من كبار المسلمين وأشرفهم حسباً ونسباً وليسوا من الموالي، وهذا هوَ الإسلام الذي قال بعضهم أنّه دين الضعفاء والرقيق أسلموا حتّى يتخلّصوا من العبوديّة والرقّ، بل إنّ الإسلام دين شمل الضعيفَ والقويّ والغنيّ والفقير وساوى بينهم، وعدلَ في القسمة بينهم فهم في الدين سواء يتفاوتون بينهم بقدر طاعتهم وتقواهم لربّهم.
وقد كانت هذه أوّل هجرة للمسلمين في تاريخ الإسلام، وأعقبها هجرة ثانية إلى الحبشة حينَ اشتدَّ الأذى في مكّة على المسلمين إلى أقصى درجة، وحينَ فرضوا المقاطعة والصحيفة الجائرة على المسلمين وحاصروهم في شعاب مكّة.وأول من هاجر من الرجال عشرة هم:
ومن النساء هاجرَ خمس نسوة هنَّ:
المقالات المتعلقة بأول من هاجر إلى الحبشة من المسلمين